أنا مش خرونج
بقلم محمود عمارة ١٢/ ٧/ ٢٠١٠
استفزنى تصريح للمستشار عدلى حسين محافظ القليوبية يقول:
«إن المواطن المصرى «يكلف» الدولة عشرة ملايين جنيه من يوم مولده حتى مماته»!!
وبما أن متوسط عمر البنى آدم فى المحروسة حوالى ٦٥ سنة، أو بالتقريب «٢٥ ألف يوم».. مما يعنى أن الدولة تنفق على كل مواطن ٤٠٠ جنيه يومياً بين «تعليم وصحة ودعم وخدمات ومحروقات الخ...» وبما أننى لست «خرونجاً».. أسأل سيادة المستشار الذى كان محامياً عاماً للشعب يوماً ما:
ما هى نسبة «المسروقات» من هذا الرقم؟ أو بمعنى آخر: ما هو الرقم الفعلى الذى يصل إلى المواطن.. هل هو النصف أم الربع أم العشر؟!.. لأن هناك نكتة قديمة تذكرتها على الفور تقول:
إن الرئيس الأمريكى اتصل «برئيس» إحدى الدول «عديمة الشفافية» والمسماة لدى شبابها بالدولة «الخرونجية»، وأخبره بأن الكونجرس قد وافق على منح الشعب «الخرونجى» معونة نقدية قدرها مليار دولار للمساعدة فى عملية التنمية.. فاتصل «الرئيس» برئيس مجلس الخرونجات يخبره بأن الكونجرس وافق على نصف مليار، فاتصل «رئيس المجلس» برئيس الحكومة يبلغه بأن الكونجرس وافق على ربع مليار كمعونة..، «ورئيس الحكومة» أخبر وزير الخزانة بأن المنحة ثمن مليار، فاتصل الأخير بوزير التنمية يعلمه بأنها ١/١٦ من المليار.. «ووزير التنمية» أبلغ عُمد الأقاليم بأن كل إقليم سيصله مليون دولار من المنحة، فقام كل «عُمدة» بإلقاء خطاب بمناسبة عيد التحرير ضمنه جملة عن المعونة الأمريكية تقول:
«أيها الشعب الأبى الشامخ العظيم.. لقد طلبنا معونة من أمريكا قدرها مليار دولار من أجل التنمية، ولكن اللوبى الصهيونى الحقير، الذى يتحكم فى قرارات الكونجرس الضعيف أجبرهم على رفض المعونة.. ونحن بإذن الله وعونه سوف نجاهد ونكافح بفضل تضامنكم معنا، والتفافكم حولنا وسنستمر فى بناء هذا الوطن الحبيب فى ظل القيادة الرشيدة، ولا يهمكم أمريكا التى تكرهنا ولا إسرائيل التى تقف لنا بالمرصاد فى كل المحافل الدولية، وعموماً ها هو الكونجرس الملعون يقول لكم بسخرية: «ربنا يحنن عليكم»!!
والسؤال الثانى: ماذا لو أن الدولة اقتطعت «مائتى جنيه» من الأربعمائة جنيه التى تنفقها على كل مواطن ليصبح فى يدها ٢٠٠ جنيه فى ٨٠ مليونا = ١٦ مليار جنيه يومياً تنفقها على الدفاع، والأمن، والخدمات المشتركة، وتعطى كل «خرونج» المائتى جنيه الباقية فى يده كل صباح؟!
والمواطن «سيصبح حراً».. يختار بنفسه (فهو الأدرى بمصلحته) أن يركب المواصلات العامة بالسعر الحقيقى، أو يركب الموتوسيكل أو سيارة أو حتى دراجة أو يتمشى على رجليه، أن يدخل مستشفى حكوميا ويسدد الفاتورة الفعلية أو يذهب إلى مستشفى خاص أو حتى يعالج نفسه بالأعشاب.. يدخل أبناءه مدرسة حكومية بمصاريف فعلية أو مدرسة خاصة أو يضخهم فى سوق العمل بعد الإعدادية.. (هوه حر)، طالما أن الدولة عجزت، وفشلت، وأفلست، وترهلت، أو بمعنى أوضح لم يعد لها وجود أو «لازمة».. بعد أن صارت عبئا على الشعب، وكارثة على مستقبل الوطن!!
وبهذا تتفرغ الحكومة لتجويد الخدمات، واستعادة قوتها الخارجية، وكرامتها المفقودة، وتعيد رفع رؤوس أبنائها المغروسة الآن فى الطين، وبهذا الأسلوب الجديد نضمن العدالة والمساواة بين المواطنين عكس ما يحدث الآن من أن مواطناً محظوظاً يحصل على ٤٠ مليونا، وأربعة مواطنين فى حلايب وشلاتين أو فى النوبة أو حتى فى نجوع مصر وكفورها لا يحصلون على جنيه واحد، وهذا يجرنا إلى الحديث عن «العبقرية الأمريكية» التى تترك الدولة الخرونجية تنفق، وتربى، وتعلم، والأهل أيضا ينفقون دم قلبهم إلى أن يتخرج الشاب فى الجامعة ثم يهاجر معظم المبدعين، والمتفوقين، والموهوبين، والخلاقين المبتكرين إلى أمريكا، وكندا، وأستراليا، وأوروبا لتستقبلهم جامعاتها ومراكزها البحثية والعلمية والمهنية فى «مناخ صحى» ليصبحوا شموعاً، ورؤوس قطارات تجر مجتمعاتهم إلى الأمام،
أما ما يتبقى منهم داخل جدران الوطن يتم حبسهم فى صناديق خشبية عديمة التهوية، وحشرهم فى مناخ ملوث حتى يصبح الفرد عديم القيمة، وليست له أى فائدة ولا يمكن تسويقه أو بيعه سوى بالكيلو.. بعد أن تحول إلى «خردة»، وللأسف أن أسعار السلع ترتفع بجنون إلا الإنسان «الخردة».. والدليل هذا البحث الذى انتهى إلى أن العناصر والمكونات للجسم البشرى محدودة القيمة كالتالى:
اكتشفوا أن جسم الإنسان به دهون وشحوم تكفى لصناعة ٢٠ صابونة ثمنها خام ٢٠ جنيها، وبه عظام لصناعة ٢٠ فلاية شعر = ٤٠ جنيها، وبه عنصر الحديد = ٤ مسامير بجنيه، وفوسفور يكفى لصناعة ٢٠ عود كبريت (المشط بربع جنيه).. وشوية شعر على أظافر + كلية فاشلة + كبدة متليفة + طحال خربان، ومصارين مهرية لا تصلح سوى لمزرعة تماسيح = بالكثير ١٠٠ جنيه!! وبما أن جسم الإنسان فى المتوسط حوالى ٦٠ كيلوجراما.. إذن كيلو البنى آدم «الخردة» = ١٧٠ قرشا ثمن نصف كيلو بطاطا مشوية!!
والسؤال لأسيادنا الجهابذة:
بأى وجه ستقابلون «الرب» يوم لا ينفع مال ولا بنون ويسألكم:
كيف «تكلفون» الإنسان الواحد ١٠ ملايين جنيه ثم «تحولونه» إلى خردة ليباع بما يعادل نصف شوال بطاطا؟
وهل فهمتم أيها السادة «الخرونجات».. الفارق بين العبقرية الأمريكية والعقلية الحميرية (جمع حمار)؟!