دليل المواطن الذكي!
لإصلاح المجتمع
بقلم : عبدالقادر شهيب الجمهوريه 15/7/2010
رغم الانطباع السائد بأن الهم الاقتصادي هو الذي يشغل بال معظم المصريين ويسبق كثيرا الهم السياسي. فانك لو سألت المصريين عن الأولي بالاهتمام ستكون اجابات معظمهم لا هذا ولا ذاك انما محاربة الفساد.. محاربته علي نطاق واسع وجاد.
وقد تفاجئ هذه الإجابة من يعتقدون أن الأولوية لدي المصريين في هذه المرحلة هي الإصلاح السياسي. الذي يجب ان نتفرغ لانجازه لانه سوف يفتح الباب لحل مشكالنا الأخري.. ولذلك ترتفع أصوات هؤلاء ليل نهار تطالب بتعديل عاجل وفوري للدستور وقوانين الأحزاب والانتخابات وممارسة الحياة السياسية.
كما قد تفاجئ هذه الإجابة الذين يعتقدون ان تخفيف الأعباء الاقتصادية هي التي تمثل أولوية في اهتمامات الأغلب الأهم من المصريين في ظل تضخم يمكن يأبي أن ينخفض إلي مستوي تقدر عليه الزيادة في الدخول. وازمات مفتعلة في السلع الغذائية. وبطالة توارق العائلات البسيطة وغير القادرة وأيضا العائلات المتوسطة.
لكن من يتمهل ويمعن النظر في الأمر لن يجد فيه مفاجأة. لان المواطن المصري. حتي غير المتعلم. يتسم بذكاء فطري وقدرة علي الفهم. وكلها صفات حظي بها من خلال تراكم طويل للخبرات عبر آلاف السنين.. هذا المواطن الذكي يدرك بفطرته- قبل تعليمه وثقافته ان الفساد يمكن ان يعطل الإصلاح السياسي. ويبدد ثمار أي إصلاح اقتصادي. أو يجعل توزيع هذا الثمار بشكل غير عادي.
تعالوا معا نتصور ان ما طالب به البعض من تعديل للدستور وقوانين الأحزاب والانتخابات قد تحقق بالفعل.. فهل يضمن هؤلاء في ظل اعتماد مرشحين علي أسلحة الفساد. أن تأتي نتيجة اي انتخابات برلمانية معبرة عن ارادة الناخبين بالفعل؟.. نحن نعرف انه في ظل عمليات شراء الأصوات سيفوز من يقدر علي أن يدفع أكثر لحصد أكبر عدد من الأصوات.. وأظن اننا جميعا تابعنا كيف ابتكر من إنخرطوا في عمليات شراء الأصوات من أساليب. سواء باستخدام الموبايل لتصوير ورقة اختيار المرشحين أو استخدام ما يعرف بالصوت الدوار. بالاضافة الي التعهد بأغلظ الايمان والقسم علي المصحف.. أليس شراء الأصوات وسيلة لتزوير الانتخابات وتزييف اراه الناخبين.. وأليس هذا التزوير وهذا التزييف فساداً؟ لو حاربنا بقوة وحسم هذا النوع من الفساد في الانتخابات سوف نضمن ان تأتي نتيجتها معبرة بالفعل عن ارادة الناخبين.. ولو حدث ذلك لا يمكن ازالة عقبة ضخمة تعترض تحقيق اي إصلاح سياسي. والديمقراطية لن تحقق بمجرد فتح الباب أمام الجميع للترشيح. إنما تحقق بازالة العقبات امام وصول من يختارهم الناخبون ممثلين عنهم إلي البرلمان بدون أي تأثير عليهم. ولو كان اغراء المال تحت ضغط الحاجة.
أيضا تعالوا نتصور ان ما ينشره المسئولون عن ادارة اقتصادنا من انجاز معدل مرتفع للنمو الاقتصادي علي مدي سنوات متتابعة قد تحقق.. فهل سوف يتحقق تلقائيا ما يصبو إليه الأغلب الأعم من الناس من مستوي معيشي مرتقع؟.. الأرجح أن ذلك لن يتحقق في ظل فساد هنا وهناك سوف يحرم أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة من الحصول علي فرص عمل ذات دخل مرتفع. وسوف يجعل ايضا الخدمات التي تقدم لهؤلاء. خاصة في القري والعشوائيات غير فعالة. حينما يكتشفون مثلا ان محطات الصرف الصحي لا تعمل بكفاءة أو محطات مياه الشرب لا توفر لهم مياها نظيفة. أو أن المستشفيات التي اقيمت تقدم لهم رعاية صحية حقيقية وكاملة. مثلما اكتشفوا مبكرا ان المدارس التي انفق علي بنائها الملايين من الجنيهات لا توفر لهم التعليم المجاني. وانهم مضطرون لدفع ثمن تعليم أبنائهم لاصحاب مراكز الدروس الخصوصية.. ولعلنا نتذكر أن الممارسات الاحتكارية الفاسدة هي وراء كل الأزمات التموينية التي يعاني منها البسطاء من الناس وأصحاب الدخول المحدودة. ابتداء من ازمات الدواجن واللحوم إلي ازمات الأرز والشاي.
هذا هو ياسادة ما يجعل المواطن العادي يضع مكافحة الفساد كأولوية تسبق أولوية الإصلاح الاقتصادي أو الإصلاح السياسي.. فهو لا يري جدوي أو فاتدة ستعود عليه من هذا أو ذاك بدون مواجهة حازمة وجادة وشاملة ومتصلة للفساد. سواء كان هذا الفساد صغيرا مثل الرشاوي التي يسميها البعض "اكراميات" و"تفتيح مخ" مقابل أداء الخدمات الادارية. أو كان فسادا كبيرا مثل الاستيلاء علي أراضي الدولة والإتجاز غير المشروع فيها. أو مثل الاحتكارات العلنية أو المستترة.
لذلك من يرد إصلاحًا سياسيًا أو إصلاحًا اقتصاديا أو يردهما معا لابد وأن يهتم أولا بالتصدي للفساد.. والأمر هنا لا يحتاج لجهود رمزية. ولكن معركة شاملة مستمرة. تردع الفاسدين. وتحمي الناس من شرورهم