كل هذا الغلاء.. أين الحكومة؟
بقلم: احمد السيد النجار
حدثت طفرة في أسعار السلع الغذائية المنتجة محليا والمستوردة, منذ بداية شهر رمضان الجاري, دون أن تتدخل الحكومة لإيقاف ارتفاعات الأسعار التي لايوجد أي مبرر حقيقي لها.
وحاولت وسائل الإعلام الرسمية تبرير هذه الارتفاعات والقاء المسئولية علي المواطنين بدعوي انهم يفرطون في الاستهلاك في رمضان, وصحيح انه تحدث زيادة في استهلاك السلع الغذائية في رمضان, لكنها زيادة مفهومة ومعروفة سلفا بحكم ان رمضان لا يأتي بصورة مفاجئة, بل يأتي في موعد محدد في كل عام, وبالتالي فإن ارتفاع الأسعار هو نتيجة خلل في التعامل الحكومي مع هذه الزيادة الموسمية في الطلب بسبب ضعف أو تجاهل الحكومة لحماية المستهلكين من ارتفاعات الأسعار غير المبررة, وتغاضيها عن وجود احتكارات انتاجية وتجارية تبالغ في رفع أسعار الكثير من السلع المنتجة محليا والمستوردة من الخارج.
وفي العادة يمكن قبول ارتفاع اسعار بعض السلع اذا كانت تكلفة انتاجها أو استيرادها قد ارتفعت, أما في حالة ثبات تكلفة الانتاج أو الاستيراد, فإن ارتفاع الأسعار يصبح فعلا احتكاريا استغلاليا, خاصة ان توافر هذه السلع في الأسواق الدولية يتيح سد الزيادة في الطلب دون زيادة في الأسعار, كما يصبح تغاضي الحكومة عن مثل هذه الارتفاعات غير المبررة في الأسعار, إخلالا فادحا بواجباتها ومسئولياتها الاجتماعية.
وعلي سبيل المثال فإن أسعار اللحوم ارتفعت بنسبة20% في المتوسط في الاسبوع الأول من رمضان وأصبح السعر يتراوح بين55 جنيها ونحو80 جنيها للكيلو جرام حسب المناطق الريفية والحضرية المختلفة, ولو نظرنا إلي هذا السعر حتي في حده الأدني, فسنجد أنه اسطوري ويكاد يكون لانظير له في العالم, فسعر الكيلو جرام من الأبقار الحية يصل الي حده الأدني في اثيوبيا والهند ودول أمريكا اللاتينية, حيث يقل سعر الكيلوجرام منها في البعض من تلك الدول عن نصف دولار فقط مثل أثيوبيا والهند وبوليفيا, ويبلغ نحو0.9 دولار البرازيل, ونحو1.1 دولار في الارجنتين, ولو أخذنا بالسعر الأعلي) الأرجنتين( فإنه بإضافة تكاليف النقل والتأمين والجزارة والتخزين وبعد إزالة الأجزاء الداخلية والجلود, فإن سعر الكيلوجرام من اللحم المشفي سوف يظل أقل من20 جنيها, ومع معدل ربح جيد يبلغ نحو20% فإن سعر بيعه للمستهلك لن يزيد علي24 جنيها, وإذا أخذنا اللحم البرازيلي فإن سعر الكيلو من اللحم المشفي شاملا كل التكاليف والربح بمعدل20% سيبلغ سعر البيع للمستهلك نحو20.5 جنيه, أما لو أخذنا بسعر اللحم الاثيوبي, حيث سعر الكيلوجرام من الأبقار الحية يبلغ نحو0.3 دولار, أي نحو1.7 جنيه مصري, فإن سعر الكيلو من لحم الأبقار المشفي بعد اضافة كل التكاليف التي أشرنا اليها من قبل, سوف يكون في حدود12 جنيها علي أقصي تقدير.
ونفس الأمر ينطبق علي أسعار الدجاج التي تعد مرتفعة للغاية في مصر بالمقارنة مع الدول المصدرة الكبيرة لها وبالذات البرازيل.
وفي ظل هذا الوضع, فإن الحكومة مطالبة بأن تقوم بصورة مباشرة باستيراد كميات كبيرة من اللحوم من اثيوبيا والهند والبرازيل وبوليفيا وأوروجواي وايرلندا, لطرحها في السوق المصرية بأسعار مناسبة لمحدودي ومتوسطي الدخل, لتمكينهم من سد حاجاتهم منها دون التعرض للاستغلال الدنئ من المستوردين والتجار المحليين, ولإجبارهم علي تخفيض اسعار اللحوم البلدية والقبول بمعدلات ربح معتدلة, بدلا من تلك الاستغلالية التي يحصلون عليها في الوقت الراهن.
كما ان جمعيات تنمية المجتمع, والادارات المحلية, ينبغي ان تقوم مباشرة بتنظيم عمليات شراء مباشر للمواشي من صغار ومتوسطي الفلاحين المصريين لذبحها وبيعها للمستهلكين بأسعار أقل كثيرا من تلك السائدة في السوق حاليا, مع قبول معدلات ربح معتدلة, علي غرار التجربة التي قامت بها جمعية مصريون ضد الغلاء في وقت سابق, وباعت اللحوم بأقل من ثلثي سعرها في السوق وحققت أرباحا معقولة.
ولا يمكن فصل ما جري من رفع لأسعار السلع الغذائية في رمضان, عن سياق ارتفاع الأسعار في مصر بلا منطق وبلا ردع حكومي حتي من خلال آليات السوق, وتشير بيانات صندوق النقد الدولي الي ان معدل التضخم في الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة تقنيا قد تراجع من3.4% عام2008 الي0.1% عام2009, كما تراجع معدل التضخم في الدول النامية من9.2% عام2008 الي5.2% عام2009 بينما ارتفع المعدل في مصر من11.7% عام2008 الي16.2% عام2009, وهذا يعني ان الجمود أو الانخفاضات في أسعار السلع والخدمات في الأسواق الدولية لم يتم نقله للمستهلكين المصريين بالذات بالنسبة للسلع الغذائية, وإنما استحوذ عليه المستوردون بأنانية مفرطة, في غيبة أي دور للدولة في رقابة الأسعار أو ردع القلة المحتكرة لاستيراد السلع الغذائية.
لكن ينبغي الا ننسي ان السياسات الحكومية تساعد علي خلق ضغوط باتجاه رفع الأسعار, حيث ان افراط الحكومة في الاقتراض المحلي والاصدار النقدي, أوجد قنبلة تضخمية هائلة قد لا يمكن السيطرة عليها في الأجل المتوسط علي اقصي تقدير, وهي تسهم بالفعل في ارتفاع معدل التضخم في مصر, كما ان الديون المحلية التي بلغت863 مليار جنيه وفوائدها وأقساطها الهائلة والقروض المحلية الجديدة البالغة187 مليار جنيه في موازنة عام2011/2010 تهدد بالمزيد من ارتفاع معدل التضخم, علما بأن ارتفاعه يؤدي الي إعادة توزيع الدخل لصالح الأثرياء وأصحاب حقوق الملكية, علي حساب العمال والموظفين وأصحاب المعاشات بما يؤدي للمزيد من اختلال توزيع الدخل المختل أصلا.