لم يتغير شيء " .. هكذا بدأ محمود العسقلانى رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء" ، كلامه ، واصفا أداء "الجهاز" بعد نقل تبعيته من وزارة التجارة والصناعة إلى وزارة التضامن و العدالة الاجتماعية ، مشيرا إلى أن العبرة ليست بنقل التبعية من وزارة إلى أخرى ، لكن الأهم هو تغيير حزمة من التشريعات الاقتصادية التى تجور على حقوق المستهلكين.
وكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد أصدر ، قبل أسابيع ، القرار رقم 39 لسنة 2011 بنقل تبعية جهاز حماية المستهلك من وزارة التجارة والصناعة إلى وزارة التضامن والعدالة الاجتماعية ، نتيجة لغياب دور "الجهاز" وسط انفلات الأسواق والأزمات الاقتصادية التى تمر بها البلاد منذ سنوات عديدة ، وهو ما دعا العديد من المستهلكين لتقديم الشكاوى التى أدت إلى صدور مثل هذا القرار.
واعتقد البعض أن نقل تبعية "الجهاز" من وزارة إلى أخرى سيغير في أدائه بشكل أكثر إيجابية لكن هذا لم يحدث ، والبعض الآخر أكد أنه لا يجوز الحكم على أداء الجهاز في تلك الفترة لأن تعديل أدائه سيتطلب وقتا طويلا.
يقول العسقلانى إننا في حاجة إلى تعديل العديد من القوانين من ضمنها قانون حماية المستهلك ، الذى لا يسمح للجهاز ،على حد قوله، بالوصول إلى الحد الأدنى من متطلبات الرقابة على السوق ، مضيفا "نريد سوقا منضبطة وقوانين فاعلة ، لأن القانون الحالي قاصر ولا يحقق أي ميزة للمستهلكين ، ونريد إضافة المادة 10 من قانون حماية المنافسة والتى تتيح لمجلس الوزراء عمل تسعيرة جبرية للسلع ، حتى نقنن الغلاء الذى يسيطر على كل شيء".
ويضيف العسقلانى أنه بجانب تعديل القوانين يجب إدخال نص جديد يعاقب المخالفين لتلك القوانين التى تحمي حق المستهلك ، مستطردا "كما أننا في حاجة إلى وجود ضبطية قضائية للجهاز تتيح له القيام بحماية المستهلك وإحكام القبضة الرقابية للجهاز" ، موضحا "الجهاز بالفعل لديه حق الرقابة ، لكنها رقابة لاحقة ، بمعنى أنه بعد خروج المنتج وتخزينه يقوم الجهاز بالرقابة ويتأكد من صحة التخزين وأمان العبوة والصلاحية ، لكننا في حاجة لأن تكون رقابة الجهاز دورية خطوة بخطوة ، يعني أن يقوم الجهاز بمتابعة دورية للمصانع الكبرى ومراحل الإنتاج المختلفة ، وإن كانت تستخدم مواد ضارة في الصناعة أو مواد حافظة غير صحية أو غيرها".
ويؤكد العسقلانى أن جهاز حماية المستهلك في الفترات السابقة لم يعدو كونه جهاز حماية للأغنياء ، مضيفا "لم يكن له أي علاقة بالفقراء ، فأغلب الشغل الذى قام به الجهاز في السنوات السابقة كان يخدم بشكل مباشر وغير مباشر مصالح الأغنياء ، فكل العمل في تلك الفترة كان عن عيوب الصناعة في التكييفات والسيارات الفارهة ، وتلك الأشياء لاتعني الفقراء في شيء ، أما القضايا التى تهم الفقراء من ارتفاع أسعار الغذاء والغش التجاري وفساد الغذاء والمياه لم يثرها الجهاز على مدار سنوات عمله" ، ويكمل العسقلانى "حتى إنه في الجيزة يوجد 50 شادر لحمة مخالفة ، مذبوحة خارج السلخانة وتحتوي على سموم ومن الممكن ان تصيب المستهلكين بالأمراض ، ومع ذلك لم يتحرك الجهاز" ، مؤكدا أن عدم قيام "الجهاز" بدوره يعود إلى قصور في التشريعات وعيب في الإدارة .
ويرى العسقلانى أنه من الأفضل أن يكون جهاز حماية المستهلك مستقلا وغير تابع لأى وزارة من الوزارات ، قائلا "من المفروض دمج جهاز حماية المستهلك وجهاز حماية المنافسة في كيان واحد ، وتحقيق مبدأ التجارة العادلة كما في أوروبا، والذي ينص على حماية حقوق المستهلكين والمنتجين والصناع على حد سواء، ويتيح منافسة حقيقية لا يضار فيها المستهلك بالدرجة الأولى".
ويؤكد العسقلانى ضرورة إختيار رئيس "الجهاز" بالانتخاب وليس بالتعيين ، موضحا "رئيس الجهاز يعين من قبل الحكومة وبالتالي يكون ولاؤه وانحيازه للحكومة ، لكن الانتخاب أفضل طريقة لإدارة أي مؤسسة"، مضيفا "تقدمنا بمذكرة للدكتور عصام شرف رئيس الوزراء ، وطالبناه بتفعيل دور الجهاز ووضع ضوابط حاكمة له ، لكن حتى الآن لم يحدث شيء، وأتمنى أن يحدث تفاعل قريبا مع تلك المذكرة ويعاد صياغة دور الجهاز بشكل فعال لحماية حقوق المستهلكين فعليا".
ومن جانبه يؤكد الدكتور محمود عبد الحي ،رئيس قسم البحوث الإقتصادية بالمعهد القومي للتخطيط، أن قانون حماية المستهلك في إطاره العام مقبول ، لكنه يفتقد بعض النقاط التى يجب أن تستكمل حتى يتاح لـ"الجهاز" أن يقوم بدوره المنوط به في حماية حقوق المستهلكين ، مضيفا "يجب أن يكون للجهاز أدوات وأجهزة فنية وأطقم بشرية للآداء بدوره الحقيقي" ، مشيرا إلى ضرورة استقلال جهاز حماية المستهلك ليصبح ضمن الجمعيات الأهلية ، ويمول من خلال تبرعات المصريين ويخضع لإشراف أي جهة سواء كانت وزارة التضامن أو التجارة والصناعة أو أي جهة حكومية أخرى ، مضيفا "وإذا كانت ثقافة التبرع لتلك الجهات غير مفعلة ، فمن الممكن أن تموله الحكومة ماديا وتعطيه كل الصلاحيات والتفويضات التى تمكنه من آداء عمله ، بل وتوفر له أيضا الحماية اللازمة إذا إقتضى الأمر" ، مؤكدا أنه من الصعب الحكم على آداء "الجهاز" في الوقت الحالي لأن البلاد بأكملها تعيش حالة من الـ"لخبطة" ، مضيفا "ولا نملك سوى الانتظار لبعض الوقت حتى تتضح الرؤية تماما".